18 juin 2006

موت آلاف الشباب المغاربة غرقا في المتوسط إدانة لسياسة حكومية فاشلة على مدى عقود

* نعيمة الحرار
في الجنوب الإسباني مقابر جماعية لمهاجرين سريين مغاربة، مركونة الى جانب سور داخل مقبرة مسيحية.. تداولت صورها وسائل الإعلام الإسبانية والمغربية في زمن ما مقابر لا تحمل شواهد ولا أسامي أصحابها..
صامتة ساكنة.. لا تستطيع الكلام عن سوء المصير عن الحلم »الكابوس« الذي انتهى في بطن الماء العاتم بعد أن باعوا من أجله الأرض ودفعوا الملايين.. ليتحولوا إلى جثامين متحللة قذفها البحر في ليلة ما.. أو في صباح ما بعيداً عن الوطن عن الأهل الذين مازالوا ينتظرون ربما عودة الابن الذي غادر مليئا بالطموح بالأمل..
هل يكمن الحل في إنشاء المراكز والمديريات وتجريم المهربين وتشديد الإجراءات الأمنية أم في تقويم الاختلالات والتجاوزات، ومحاربة الفساد وهدر المال العام. وتخليق الحياة العامة وتمكين المواطن من العيش في وطنه..؟؟ أزيد من 3 ملايين مغربي مهاجر 86٪ منهم يستقرون في بلدان الاتحاد الأوروبي.. هجمات 11 شتنبر 2001 غيرت سياسات إدماج المهاجرين خاصة الجاليات المسلمة
: ثمن الهجرة الى إيطاليا
مراد واحد من الشباب الذين أنهوا دراستهم الجامعية في سنّ مبكّرة، بعد حصوله على الإجازة في الاقتصاد، درس المحاسبة لمدة سنتين في معهد تابع للدولة، حتى يستطيع الحصول على عمل وفعلا كان من المحظوظين، واشتغل محاسبا في شركة للنسيج في الحي الصناعي بالرباط، بمرتب معقول..
أحس بطعم الاستقرار المادي وأخذ يخطط للمستقبل، فالشركة رأسمالها فرنسي، وأغلب منتوجها يصدر للخارج، والمادة الخام التي يتم الاشتغال عليها والتصاميم كلها تأتي من فرنسا. وهذه كلها معطيات تبعث على الاطمئنان بالنسبة لمراد وتمنحه الثقة في المستقبل..
إلى حدود سنة 2003 والأمور تسير على أحسن ما يرام رغم التعب والإجهاد إلى أن بدأت بوادر الأزمة تظهر في الأفق، وبدأ الحديث عن أزمة قطاع النسيج، ليس في المغرب وحده بل حتى داخل بلدان الاتحاد الأوروبي والسبب الغزو الصيني والعولمة، وتوقيع اتفاقيات التبادل الحر، وتخفيف الحواجز الجمركية. لم تعد أجور العمال تدفع في وقتها. وبدأ تسريح العديد منهم ، والزيادة في الساعات الإضافية للباقين وتراكم العجز في توفير ميزانية الأجور.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل أصبحت الطلبيات قليلة وبدأت احتجاجات العمال تزداد، وأغلبهم يتجه إلى مكتب مراد ليطالب بمرتبه..
انهارت أحلامه، مع انهيار العديد من الشركات المتخصصة في النسيج الموجودة في نفس الحي الصناعي وبات إفلاس الشركة التي يشتغل فيها واقعا حقيقيا بعد أن اختفى المدير عن الأنظار، في هذه الفترة التقى مراد بمهاجر قادم من إيطاليا حدثه عن واقع العمل هناك، وعن الأجور المرتفعة وعن مستوى الحياة وانفتاح الآفاق.
بدأت الأحلام تراود مراد من جديد، أحلام لم تعد تجد مراتعها داخل خريطة الوطن التي باتت جدباء قاحلة، بل هناك في الضفاف الشمالية الخصيبة..
والمبلغ المطلوب دفعه.ستة ملايين سنتيم لم يكن مراد يمتلك هذا المبلغ فأخبر صاحبه أنه يمكنه أن يحصل على التأشيرة بواسطة أوراق عمله وكشف حسابه البنكي وكشوفات مرتبه الشهري.
ورغم ذلك أقنعه بدفع 30 ألف درهم مقابل ضمان الإقامة hebergementومساعدته على إيجاد مسكن وعمل. حصل مراد على التأشيرة وحددت فترة الإقامة المؤقتة في الديار الإيطالية في شهر واحد.
انتهى الشهر وانتهت السنة، وتحول مراد الى واحد من آلاف الحراكة أو المهاجرين السريين يتقلب في أعمال الخدمة في المطاعم يغسل الأطباق، ويقوم بأعمال التنظيف أو يشتغل في البناء، ودائما بمساعدة أحد المغاربة، فلا أحد يريد تشغيل مهاجر سري.
أكثر من 20 سنة قضاها مراد في التعليم، ودخل ميدان العمل ليعيش الاستقرار الوهمي لأكثر من 4 سنوات وهاهو يجد نفسه خارج الحدود بلا مستقبل لا في وطنه ولا في بلد الهجرة، يشعر بالضياع والحسرة والخوف خصوصا حين تمسكه الشرطة، أو يرى في عيني إحداهن وهي تتمسك بحقيبة يدها نظرات الحذر والاشمئزاز فهو بالنسبة لهن مجرد مهاجر فقير من الجنوب.
***
حكاية مراد واحدة من آلاف حكايا الشباب الذين باتت الهجرة بالنسبة لهم هي الحل حتى وهم يتوفرون على عمل فبالنسبة لهؤلاء الأفق مسدود ولا يوجد مستقبل.
فالآلاف هاجروا الى كندا تاركين وظائفهم وعائلاتهم، في سبيل تأسيس حياة جديدة داخل مجتمع يؤمن بالحرية الفردية، وبحقوق الإنسان والديمقراطية الحقة وتشجيع الإبداع والكفاءات بعيدا عن ثقافة المحسوبية وواقع الفساد والرشوة وانعدام الثقة بين المواطن والإدارة.
وبالرجوع إلى تاريخ الهجرة في المغرب، خصوصا في اتجاه فرنسا حيث يقيم 86٪ من المهاجرين المغاربة الموجودين في الخارج نلاحظ من خلال الإحصائيات الموجودة أنها بدأت مع فرض الحماية على المغرب وبداية الاحتلال سنة 1912، أي بداية الحرب العالمية الأولى، لتتكاثف وتزداد سرعة وتيرتها بدءا من سنة 1915 إلى غاية 1956 تاريخ استقلال المغرب، حيث بدأ الاهتمام باستيراد اليد العاملة لتخفف نسبيا مع الاستقلال والسبب إيمان المغاربة بتغيير الأحوال الى الأفضل والاستفادة من ثروات البلاد بعد جلاء الاستعمار..
مع بداية الستينيات، أخذت وتيرة الهجرة في الارتفاع بازدياد دفق المهاجرين على أوروبا الصناعية فبالإضافة الى تفضيل المغاربة لفرنسا لاعتبارات سياسية واجتماعية أخذ المغاربة يتوجهون إلى نقط أخرى من أوروبا كبلجيكا وهولندا وألمانيا. ليشكلوا جزءا من مدِّ اليد العاملة المتدفق على أوروبا والذي شمل في بدايته مهاجرين من بلدان شمال إفريقيا وتركيا.
وجاء سقوط برلين نهاية الثمانينيات ليخلط أوراق الهجرة. ويفسح المجال أمام حركات هجرة مكثفة قادمة من أوروبا الشرقية ومن آسيا، لتجعل الاتحاد الأوروبي يُفكر في نهج خطة مشتركة لمواجهة المشاكل الناجمة عن هذه التغيرات، وكانت البداية الفعلية لأوروبا الموحدة توقيع اتفاقية شينغن سنة 1985.
لتأتي هجمات 11 شتنبر 2001 على الولايات المتحدة الأمريكية والتي جعلتها تعيد النظر في سياسات إدماج المهاجرين، خصوصا الجاليات المسلمة، ما أدى الى اللجوء إلى »الهجرة المنتقاة« التي تبناها مشروع وزير داخلية فرنسا نيكولا ساركوزي. الذي خاض حملة شرسة على المهاجرين خصوصا بعد ما عرفته الضواحي الباريسية من شغب أثاره أبناء المهاجرين الذين يؤدون بدورهم فاتورة التهميش والعزلة في الضواحي.
**
الخوض في هذا الموضوع يتطلب الكثير من الحبر والورق، فأينما وضعت رجلك داخل هذا الوطن، تجد رقعة من أرضه، تخبرك عن مهاجر مرّ من هنا،، في اتجاه بلدان أخرى يسوقه طموحه نحوها.. رغم أنه يعرف أن بينه وبينها يقف الموت، ودوريات حرس الحدود والسواحل، وبقايا خطوات عبرت قبله، ولم تعد