تعتبر المساجد في الإسلام من الأماكن المهمة في بناء الشخصية الإسلامية التي هي اساس الدولة الإسلامية واستقرارها، حيث يتلقى فيها المسلمين كبارا وصغارا تعاليم دينهم من صلاة وصيام وزكاة وقيام وحج وقيمهم الإجتماعية والثقافية وسائر الأعمال.
لذا فقد اهتم المسلمون قديما ببنائها في البقاع التي يعيشون فيها، واختيار الأشخاص المؤهلين لها، قال تعالى: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ )) (التوبة:18) . ومما يؤكد مكانة المسجد في الإسلام كون النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يستقر به المقام عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء، حتى بدأ ببناء مسجد قباء، وهو أول مسجد بُني في المدينة المنورة على ساكنها اطيب التحيةوالسلام، وهو وأول مسجد بني لعموم الناس كما قال ابن كثير رحمه الله.
وكذلك عندما واصل- صلى الله عليه وسلم- سيره إلى قلب المدينة كان أول ما قام به تخصيص أرض لبناء مسجده صلى الله عليه وسلم. ولقد أدرك هذا الأمر صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاهتموا بذلك، حيث اعتنى الخلفاء الراشدون بها، فقد كتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى ولاته أن يبنوا مسجداً جامعاً في مقر الإمارة، ويأمروا القبائل والقرى ببناء مساجد جماعة في أماكنهم، عن عثمان بن عطاء- رضي الله عنه- قال: لما فتح عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- البلاد كتب إلى أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- وهو على البصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة.
قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ( وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم- أسس مسجده المبارك على التقوى، ففيه الصلاة والقراءة، والذكر وتعليم العلم والخطب، وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات، وتأمير الأمراء، وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم
وهي بالإضافة لما تقدمه من دور مهم وبارز في الأمور الدينية، فإنها تسعى أيضا إلى تكوين الروابط الثقافية و التعليمية و الاجتماعية بين مرتاديه. ومما يؤكد أهميته أيضا أنه يضم عدد من الإفراد المختلفين في تخصصاتهم، فمنهم العامل و الطبيب والمهندس، والتاجر والمعلم، والطالب.. الخ.
ولكن المتأمل لحال الكثير من المسجد في وقتنا الحاضر بإوروبا، يجد أنها قد تخلت عن دورها المهم والريادي، في توجيه الناس في أمورهم الدينية والدنيوية، وأصبحت مؤسسات خاصة تقدم خدمات للجاليات مدفوعة الأجر مثل شهادات إعتناق الإسلام و شهادات الطلاق و الزواج و مكان لتأدية العبادة فقط.
لقد طالبنا مرارا وتكرارا من القائمين على شؤون المساجد بالغرب أن يفعلوا دور المساجد في مواجهة الأحداث التي تواجه المسلم في حياته اليومية. ومن تلك الأحداث التي ينبغي على المسجد أن يقوم بدوره تجاهها، الإبتلاءات التي تتعرض لها مقدسات الأمة مثل الاستهزاء بنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-، فقد شهد العالم الغربي في السنوات الماضية تجرأ بعض الصحفيين و الرسامين الكاريكاتيرين على الاستهزاء بنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- من خلال رسوم ساخرة، هدفها النيل من شخص نبي الإسلام وأنصاره.
فيا ترى ما الدور الذي ينبغي على المساجد بإوروبا القيام به لمواجهة مثل هذه التصرفات ؟ هناك العديد من الأمور التي يمكن للمسجد القيام بها، منها على سبيل المثال:
1- إقامة الدروس اليومية المختصرة، والتي تتحدث عن السيرة النبوية الصحيحة.
2- وضع اللوحات الحائطية التي توضح شيء من أخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلم.
3- إعداد النشرات التي تتحدث عن سيرته صلى الله عليه وسلم.
4- توزيع الأشرطة والكتيبات التي فيها شيء من سيرته العطرة.
5- إقامة المسابقات الثقافية في السيرة النبوية بين جماعة المسجد.
إن ضعف دور المساجد بإوروبا يعود لسيطرة مجموعات فكرية اوإثنية عليها وحرمان عموم الناس من حقهم بتسيير شؤونها ، رغم أن هذه الفئات تتحدث باسم الجميع و تجمع التبرعات لتقديم خدمات للجميع و لكن الفائدة المالية والمعنوية تعود على هذه الفئات ولا يستفيد العوام منها و هو انعكاس لضعف الجاليات الإسلامية وعدم متابعتها لشؤون المساجد، ولن تكون الصحوة الإسلامية و اقعا ملمومسا، إلا عندما يقوم المسجد بدوره الشامل، ويرتقي بأساليبه ووسائله التربوية والتعليمية، بما يتناسب مع احتياجات العصر ومقتضياته ليصبح قلب الحياة الإسلامية المعاصرة من جديد.
كما أن على مسؤلي المساجد و على أئمتها دور مهم في قيادة الجاليات الإسلامية نحو طريق العزة والتمكين، لذا ينبغي أن يراعى ذلك عند اختيارهم لتحمل المسؤوليات، من حيث الكفاءة والقدرة، للقيام بهذا الدور العظيم. و يحزنني القول أن المحسوبية و مرض الإقصاء والتهميش ونشر الإشاعات حول اشخاص يشكلون عبئ او خطر على القيادات الحالية ظاهرة ملموسة و توليت الأصدقاء و الأقارب للمهام الأساسية هي سمات العديد من المؤسسات الإسلامية التي تشرف عليها قيادات محسوبة على الحركات الإسلامية. و يعاني اليوم عشرات الشخصيات الإسلامية التهميش و الإبعاد عن القرار بالمؤسسات الإسلامية بإوروبا و يعانون الأمرين و نحن نطالب المؤسسات الإسلامية عامة و المساجد التي بنيت بأموال المسلمين خاصة بأن تراجع حساباتها و أن تنفتح على الجميع بشفافية حقيقية بعيدة عن ذر الرماد بالعيون. و كما قيل إن فاقد الشئ لا يعطية و نحن نرجو أن يعود للمسجد دورة الريادي في حياة الجاليات المسلمة بالغرب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المهندس محمود الدبعي
السويد