16 mai 2007

حينما "يحرك" الشباب هربا من "الحكرة



تحقق أغنية تتغنى بهجرة البلد وركوب البحر للخروج من الشعور بالدونية والاحتقار إقبالا كبيرا لدى الصغار والشباب. هل هي صدفة أن تلقى هذا الإقبال في زمن الأزمة والضياع الذي يعيشه الشباب؟ وهل هذه الأغنية ناجحة، لأن لحنها أم أداءها أم كلماتها تجد هوى في نفس المستمعين إليها؟ أهم كلمات الأغنية تتغنى ب"البابور" أي الباخرة أو السفينة، التي يرى فيها مؤلف الكلمات حبيبته أو معشوقته "مون آمور". ولنا أن نتخيل هنا شابا بقرب ميناء طنجة أو ميناء الدار البيضاء، يراقب البواخر التي ترسو على الميناء، ويرى فيها مخلّصته من واقع "الحكرة" الشعور بالاحتقار و"لاميزير" البؤس الذي يعيش فيه، ولا يجد مخرجا منه إلا بركوب السفينة التي عشقها من كثرة تعلقه بها، فهو يتخيل نفسه فوقها، يقطع البحر ليصل إلى شط الأمان والجزيرة الحلم هناك في الضفة الأخرى
وتستحضر كلمات هذه الأغنية عبارتين، الأولى غير ظاهرة للوهلة الأولى، وهي مرتبطة بدور "البابور" في نقل الشخص الموجود في وضعية مأساوية إلى الضفة الأخرى، وهي الهجرة السرية، أو "الحريك"، والعبارة الثانية بارزة في النص، وهي "محكور"، أي الإحساس بالاحتقار والدونية، والتخلص من هذا الإحساس لن يكون إلا بمغادرة هذا الوطن الذي يحرم الشاب من تحقيق ذاته، سواء بتوفير العمل، وما يتولد عنه من استقلال مالي، أو تسهيل لقائه بمحبوبته! فهناك تلازم بين "الحكرة" و"الحريك"، ف"الحكرة" تدفع الشخص المحتقر إلى البحث عن الخلاص في "الحريك"، أي حرق جميع ما يربطه بالوطن، من أوراق هوية وانتماء لهذا الوطن، بل وحتى المشاعر بالابتعاد عن الأهل والأحباب والأصدقاء، وتفضيل الغربة على هوان الوطن، والساهرين عليه! ونعود إلى كلمات هذه الأغنية، ونتساءل: هل هي تعبّر عن موجة أو موضة عابرة تنتهي مع ظهور موجة أو موضة جديدة؟ هل لكلماتها تأثير على الصغار والشباب الذين يحفظون كلماتها عن ظهر قلب، ويرددونها باستمتاع كبير؟ هل هذه الكلمات ترسم صورة لوضعية هذا الجيل، وتعبر عن وضعيته الصعبة: إحساسه بأن الأجيال السابقة عليه، لا تنصت لمشاكله الخاصة، وانشغالاته الحياتية، لذلك يرى المَخرج لمأزقه في "الحريك"، حتى لو كان فيه هلاكه؟َ! لأنه يفضل ركوب أهوال "الحريك" على العيش في ذل وهوان "الحكرة". وفي بحث لا ينتهي على دراهم معدودة، ليحقق أحلامه الصغيرة، لا يجدها عند الأب أو الأم أو الإخوة، لأن كل واحد مشغول بمشاكله، ولا يقوى على مساعدته ماديا، بل ويصطدم يوميا مع محيطه، الذي قد ينعته بجميع النعوت، التي تدل على تكاسله وتقاعسه و"برودة أكتافه"، وأنه ليس مثل "أسياده" الذين يحصّلون على قوت يومهم بأي طريقةَ! هذه الأغنية تعبّر عن مشاعر شرائح واسعة من الشباب، تعشق العيش في وطنها بكرامة، وحتى لو كانت في الظاهر تشيد "بالحريك"، وتمجّد الهروب من مواجهة واقع "الحكرة" و"لاميزير"، فإنها في العمق توجه رسائل إلى من يهمهم الأمر، بأن هذا الجيل يرفض العيش في وطن الهوان، وأن مكان الشباب هو وطنه، ومهامه هي تشييده، وليس تركه وهجرانه
محمد علي الحنشي alihanchi@hotmail.com