13 janvier 2007

حول الحوار عبر- وطني المنعقد بالمغرب حول موضوع الهجرة

وأشرفت على تنظيم هذه المناظرة أساسا مجموعة من المنظمات الموجودة في بلدان أوربية مختلفة بالتعاون والاشتراك مع مؤسسات وخاصة المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان وتنظيمات وأطر في المغرب وبعض المهتمين الأجانب. وإذا كان ليس غريبا أو جديدا على ساحة الفعل بالمغرب أن تناقش أو تعالج مسألة الهجرة في شكل ندوات، أيام دراسية، أبحاث أكاديمية، تبادل الخبرات ..الخ. فإنّ ما يميز هذه المناظرة التي نحن بصدد الحديث عنها عما سبقها من أنشطة متعلقة بنفس الموضوع، هي نوعية المضامين التاريخية، السياسية الاقتصادية، والثقافية التي يعطيها المناظرون لمسألة الهجرة وكذا المشاكل المترتبة عنها و الطرق المقترحة لمعالجتها .ولعل ظرفية انعقاد هذه المناظرة يشكل عنصر تميز آخر إن لم يكن سر التميز نفسه. سنوضح هذا لاحقاً
من خلال اطلاعنا على الوثائق التي جرت مناقشتها تمهيدا لتقديمها إلى المناظرة بغية إقرارها، ومن خلال نقا شاتنا مع العديد من أقطاب المناظرة نستطيع أن نستنتج بأن المناظرين "العبر-وطنيين" يعتبرون مناظرتهم من المحطات الكبرى على الطريق الذي اجتازته كل المقاربات الهجروية إلى حد الآن ويعقدون بالتالي أمالا تحويلية عظيمة عليها. فهل ستتحقق آمال هؤلاء أم ستتبخر أمام أحكام المنطق والتاريخ؟ في اعتقادنا أن الاحتمال الثاني هو الأرجح مادامت المنطلقات ال"عبر-وطنية" غير سليمة وغير واقعية
أن ما يلفت النظر أن الخط العام المشترك لدى "العبر-الوطنيين" تحكمه رؤية تحنيطية للهجرة وأحادية الجانب لما ينتظر أن تلعبه الهجرة من دور في مسار الفعل الديمقراطي في المغرب. أي رؤية الهجرة في استقلالية مطلقة عن تاريخيتها وهذه الرؤية تغفل -عن قصد أو غير قصد- العلاقة الواقعية الموضوعية بين الهجرة كمعطى تاريخي وبين القوانين العامة لحركة الواقع الاجتماعي الذي أنتجها من جهة و الواقع الذي أحتضنها من جهة أخرى
فتاريخ "العبر-الوطنيين" هو تاريخ ذاتي سكوني منقطع الصلة بالجذور الاجتماعية للمهاجرين و تركتهم وتاريخهم الحقيقي الموضوعي خصوصا في ما يتعلق بموقعهم الطبيعي في دائرة الصراع الاجتماعي في بلدان إقامتهم من خلال الوثائق التي سبق ذكرها والتي يتعلق بعضها بالنظرة العامة إلى الهجرة و يتعلق بعضها الآخر بالتعاطي مع المشاكل و الإشكالات التي تطرحها، لم نرى أي عمل تعامل مع الهجرة في حركيتها وتحولاتها الكمية والكيفية تعاملا عقلانيا وعلميا. فانتماء المهاجر للوطن الذي هاجر أو هُجِّر منه هو بالنسبة "للعبر-الوطنيين" انتماء أزلي بالرغم من كل عوامل التأثير و التأثر في محيطه عيشه الجديد. وهذا يعني لديهم التماثل المستمر بين ماضي و حاضر المهاجر في كل زمان و مكان وجوده ينتج عن هذا الفهم اعتبار المواطنة المغربية المُحدِّد القوي والدائم للشخصية التاريخية للمهاجر. أما واقعه الموضوعي الجديد في المهجر فلا فعل له، أو على الأقل لا تأثير لفعله على هويته المغربية، و كأن المغربي استثناء و حالة شاذة في ما يخص قوانين التطور و فعل و تفاعل الإنسان في الوسط الذي يعيش فيه من المعروف أن المغربي المهاجر يعيش – بالرغم من أنفنا- في ظروف تختلف تاريخيا، جغرافيا ، بيئيا، اقتصاديا، سياسيا و ثقافيا على الظروف التي عاشها في المغرب ولهذه الظروف بالضرورة تأثيرها على أسلوب عيشه، سلوكه الاجتماعي، ثقافته و نمط تفكيره. واصبح هذا التأثير يطال حتى "الصفاء" الإثني والديني للمهاجر. نقصد بهذا أن عدد لا يستهان به من المهاجرين المغاربة ارتبطوا بعلاقات زوجية مع شركاء يختلفون معهم اثنيا وثقافيا وحتى دينيا. وأنجبت هذه العلاقات أطفالا لهم هوية ليست بالضرورة هوية آبائهم وأمهاتهم بالرّغم من روابط الدم واللحم التي تربط بينهم. هؤلاء الأطفال لا يصح حتى تسميتهم بالمهاجرين، لأنهم لم يهاجروا يوما ما إلى البلد الذي يعيشون فيه، وإنما ولدوا فيه. هذا ينطبق كذلك إلى حد بعيد علي أبناء المهاجرين المغاربة (من أم و أب مغربيين) الذين ولدوا في بلدان إقامة أمهاتهم وآبائهم، فهم يعيشون وجودهم الحاضر وحاضر وجودهم بما له وما عليه ولا يعيدون معايشة ماضي أوليائهم بما له وما عليه كذلك. ومعايشتهم لواقعهم على هذا النحو تجعلهم يهتمون أكثر بمصالحهم في هذا الواقع ذاته وليس بمصالح واقع نوستالجي المعالم يمليه عليهم سلفهم. وما انتفاضة أبناء المهاجرين في ضواحي باريس وبعض المناطق الفرنسية ألاخرى في العام المنصرم إلا تأكيد على الدفاع عن هويتهم الطبيعية كمواطنين فرنسيين وعلى تثبيت هذه الهوية على الخارطة الاجتماعية لفرنسا. وهذا تعبير صارخ عن وعيهم لواقع موضوعي حقيقي هم جزء منه وهو جزء منهم إذن ليس صحيحا الزعم بأن الهوية المغربية للمهاجر الذي ولد وترعرع في المغرب أو لمن انحدر من أصل مغربي، هوية أزلية لا تزول إلا بفناء الشخص " الحامل " لها بل في بعض الأحيان لا تزول حتى بعد موته
بناء على كل ما سبق أن ذكرناه نرى أن النظر إلى " مشكلة " العلاقة بين الهجرة و بين بلدها الأصلي نظراً علميا بين حاضرها بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبين الماضي الذي أنتجها يتوقف على توفر الوضوح العلمي عن حقيقتين الحقيقة الأولى هي حقيقة الوجود الموضوعي للهجرة في حاضرها وفي آفاق تطورها المستقبلي، والحقيقة الثانية هي حقيقة الترابط الجوهري بين موضوعية هذا الوجود وأشكال التعبير عنه. بمعنى ضرورة كون الموقف من الهجرة منطلقا من الحاضر نفسه وليس ناتج عن رغبات ذاتية واملاءات خارجية فيما يتعلق بالحقيقة الأولى فان النظر الأولي إلى مسار الهجرة العام يوضح ويؤكد إن المهاجر ملتصق بصفة يومية بواقع مادي في بلد إقامته يختلف أساسا على الواقع الذي تركه خلفه حين هاجر أو هُجِّر كما أسلفنا الذكر. فميكانيزمات العيش اليومي في واقع معين يجعل الإنسان يتفاعل بشكل واعي أم غير واعي مع منطق الحركة في هذا الواقع. ومن هنا نتوصل إلى الحقيقة الثانية. ونعني بها بأن الترابط الذي نقصده ترابط واقعي موضوعي، وليس عاطفي مثالي أي أنه حقيقة بالفعل. إذا فإنه من غير الطبيعي – إن لم نقل من غير الممكن – أن نتعاطى مع هاتين الحقيقتين من خلال مقاربات " عبر – وطنية " تدعي حل المشاكل التي يطرحها واقع الهجرة عبر بوابة الرباط. بل يجب الفعل المباشر في هذا الواقع لفهمه أولا ثم تغييره لصالحنا وذلك لا يتحقق في نظرنا إلا بالانخراط في الحركة العامة للتغيير فيه إن التعامل مع مسالة الهجرة على هذا الأساس لبس أمرا نفرضه نحن على الواقع قسرا، كما يفعل ال"عبر-الوطنيون" في تعاطيهم مع الأمور، وإنما هو من طبيعة الواقع نفسه. فالواقع المشهود يضع أمامنا إذن أشكالا متعددة للنظر إلى مسالة الهجرة والمواطنة، وهذا الاختلاف في النظر ليس شخصي تتحكم به عناصر ذاتية مزاجية، بل انه صادر من منطلقات اجتماعية لا فردية، وموضوعية لا ذاتية
فإذا كان الأمر كذلك فما سر إصرار العديد من المهاجرين المغاربة وحتى بعض أبنائهم على التمسك ب"مواطنتهم" ؟
للإجابة على هذا السؤال نستطيع القول منذ البدء بأن هذه "المواطنة" لا وجود فعلي وموضوعي لها. وإنما "وجودها" يكمن في ذهنية وأفكار وأحاسيس أصحابها فقط. فباستقرائنا للواقع استطعنا أن نصنف هذه المواطنة بشكل عام إلي أربعة أصناف تحضر كليا و جزئيا عند البعض وتغيب جزئيا أو تتداخل فيما بينها عند البعض الآخر. وهذه الأصناف هي
المواطنة الحنينية أو النوستالجية، ونجدها غالبا لدى المهاجرين الأوائل الذين هاجروا في الستينات من القرن الماضي بحثا عن العمل ولكسب الرزق السريع تم العودة بعد ذلك إلى أرض الوطن لتحقيق ما كانوا يهدفون إليه من مصالح مادية. ولما أتيحت لهم فرصة استقدام أسرهم وعائلتهم في إطار ما يسمى بالتجمع الأسروى وبعد أن ثبتت أقدامهم وأقدام أسرهم على أرض واقعهم الجديد، تبخر حلم العودة. من هنا فان هؤلاء- وهم الآن في طريق الانقراض- مازالوا يتوهمون بأن وجودهم في المهجر وجودا مؤقتا. وبسبب هذا الوهم يعيشون على ماضيهم أكثر مما يعشنا واقع حاضرهم. ويلعب العامل الديني كذلك دوره في تصبير هذه العقلية. ويمكن أن يندرج ضمن هذا الصنف من "المواطنة" إلى حد ما، حتى بعض الشباب الذين هاجروا منذ الثمانينات من القرن الماضي
المواطنة الانفعالية وهي بمثابة ردة فعل على ميكانيزمات العزل والتهميش، وعدم الاعتراف بالمكونات الثقافية والحضارية وكذا تنامي التيارات اليمينية والعنصرية في أوربا نتيجة لهذا بدأت تتشكل مشاعر القومية لدى بعض الفئات بشكل من الاعتزاز القومي والديني يصل أحيانا إلى التعصب والتفاخر على نحو من المبالغة المفرطة. وأحيانا أخرى إلي بذل قصارى الجهود للتبوء بمواقع مهمة في المجتمع ولفرض تميز الشخصية هذه"المواطنة" يتسم بها أساسا أبناء المهاجرين سواء الذين ولدوا في بلدان إقامتهم أو الذين ترعرعوا فيها. فعلاقة هؤلاء بالمغرب على المستوى الثقافي والديني خصوصا هي علاقة يمكن تشبيهها بعلاقة الغريق بخشبة الإنقاذ
المواطنة" البرغماتية وهي تعني الارتباط الشديد بالمغرب لما يتيح من فرص لتوسيع المصالح الاقتصادية وللتسلق السريع في السلم الاجتماعي. وكذلك لما يوفره من تسهيلات وامتيازات للمواطنين ذوي العملة الصعبة سواء تعلق الأمر بالاستثمارات أو الخدمات أو لقضاء عطلة الصيف. والصفة التي تميز المواطنة البرغماتية هي السعي المستمر ولكل الطرق على التقرب من كل رموز السلطة المغربية في الداخل والخارج لتحصين مصالحهم وتوسيع شبكة معارفهم ونفوذهم.
مواطنة النوستالجيا السياسية وهي تخص بالتحديد أولائك الذين كان لهم رصيد نضالي معين على المستوى السياسي، النقابي والثقافي في المغرب قبل هجرتهم. ومن هؤلاء من يظن أن نضالهم اتجاه ما يجري في المغرب لم يستنفذ زخمه بعد ويسعى بالتالي إلى إيجاد مكان له على ساحة الفعل السياسي بالمغرب. وتجدر الإشارة أن الكثير منهم مازالت لديهم انتماءات لتنظيمات وتيارات سياسية في المغرب وقد لعب هؤلاء دور العمود الفقري في تهيئ وتنظيم المناظرة التي نحن بصدد الحديث عنها. والمفارقة هنا هو أن هؤلاء هم الذين رفعوا في أوساط الثمانينات من القرن الماضي شعار "من الهجرة إلي المواطنة" في مواجهة السياسة التي تنتجها جل الدول الأوربية اتجاه الأجانب. فأين هم اليوم من هذا الشعار.؟

عودة الآن إلي المناظرة وخلفيات و أهداف " العبر-وطنيين" من خلالهامن الواضح جدا أن تنظيم هذه المناظرة في هذه اللحظة الزمنية بالتحديد ليس من قبيل الصدفة وليس من فعل ضرورة تاريخية آنية ارتبطت بحاجة موضوعية لهذه "الهجرة" التي يتحدثون عنها. إن هذه المناظرة في تقديرنا تأتي كحلقة جديدة في سلسلة من المحاولات التي ظهرت في أواسط التسعينات والهادفة إلى خلق منافذ نحو المغرب بغية صنع مواقع على خشبه المسرح السياسي فيه، وذلك بخلفيات تتراوح بين حسن النية والتطلع النفعي الانتهازي. فليعذرنا أصحاب حسن النيات وحسن النية لا يمكن أن يكون شفيعا لصاحبه في مسألة التعاطي مع القضايا السياسية فمدبجي المناظرة الأوائل يعرفون جيدا أن مناظرتهم في عمقها تجاوب مباشر لرغباتهم الذاتية مع الخطاب الملكي 6 نوفمبر 2005 والذي تم الإعلان فيه لأول مرة على إتاحة الفرصة للمهاجرين المشاركة في الانتخابات البرلمانية ترشيحا وتصويتا. وكذا خلق مجلس أعلى لشؤون الهجرة. حتى لا يساء فهمنا فأننا نرى أن للمغرب الحق كل الحق أن يتخذ التدابير والقرارات والإجراءات التي يراها مناسبة بخصوص الهجرة. ونأمل أن ينصب الاهتمام اكثر على حاضر هذه الظاهرة وخصوصا ظاهرة الهجرة السرية وتبعاتها المأساوية. وذلك بالعمل على تحسين الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المنتجة لها. وكذلك شن سياسة قارة، يكون المنطلق الإنساني مبتداها ومنتهاها، اتجاه المهاجرين الأفارقة الموجودين بالمغرب. عوض الإجراءات الجزرية والأمنية الرامية إلى ترحيلهم فقط أما تمثيلية المهاجرين في البرلمان المغربي فلا يرجى منها نفع. لأنه مهما كانت حدة النقاشات وصرامة القرارات المتعلقة بالهجرة وبتحسين الظروف المادية والمعنوية للمهاجرين في بلدان إقامتهم. فان الدول الأوربية المضيفة ستعتبر ذلك تدخلا خارجيا في شؤونها الداخلية ولا تعير لها أي اعتبارأما "العبر- وطنيين" أو العقول المدبرة في أوساطهم فان مقارباتهم تحمل طابع الالتقاء على واقع وهمي ناتج عن تخبط في التوجه بعد استنفاذ الدور الجمعوي الذي كان يلعبونه في أوساط الهجرة منذ السبعينات. وهذا الوضع دفعهم لإعطاء تقييمات وتقديرات متفائلة جداً حول الموقف الحقيقي لشركائهم السياسيين في المغرب، وحول النتائج السياسية التي ستتمخض عن هذه الشراكة إن عدداً كبيرا من أصحاب هذا الاتجاه لن يحيدوا عن المسار الذي يسلكونه لاعتبارات سياسية وسسيو-إنتهازية. بل سيدعون إلى طرق بوابات جديدة للعبور إلى المسرح السياسي بالمغرب. ورهاننا كله ينصب اليوم على أولائك الذين انخدعوا بهذا الاتجاه، واعتقدوا أن "الهجرة" ستتمكن من خلاله من إحقاق حقوقها العادلة حيث وجودها الفعلي على أرض غير المغرب إنّ "العبر-وطنيين" بالرغم من حشدهم للعديد من القضايا لمناقشتها خلال مناظرتهم، فإن بيت القصيد عندهم هو بكل صراحة البحث عن كراسي في البرلمان وعن مواقع جديدة في المجلس الأعلى للهجرة المزمع خلقه
هنا نطرح عليهم بعض الأسئلة في صميم الموضوع: هل المغاربة الأوربيين على علم واطلاع بحقيقة ما نوقش في المناظرة باسمهم؟
هل تمّ إشراكهم بشكل واسع في صياغة الورقيات المقدمة للنقاش؟
وإذا حصل أن ُسمح لهم أن يرشحوا أنفسهم للانتخابات البرلمانية، فما هي المقاييس المعتمدة لتمثيل"قواعدهم"؟
وهل هناك قواعد بالفعل ملتفة حول روح المناظرة؟
ثم ما هي طبيعة الاستشارات التي ينوون تقديمها في المجلس الأعلى الذي يصبون إليه؟ وماذا ستكون فاعليتها وتأثيراتها؟
سنستبقهم ونجيب بدورنا على بعض هذه الأسئلة بالقول بأنّ "المناظرة" منذ ميلادها كفكرة، وعبر اللقاءات الماراطونية التي عرفتها بعض العواصم الأوربية للتحظير لها وصولا إلى انعقادها أيام 8-9-10 من الشهر الماضي بالرباط في أفخم الفنادق، كانت عملا نخبويا محصوراً في أوساط يعرف فيها البعض البعض الآخرأما "القواعد" المعنية بالأمر فلا علم لها بما جرى أو يجري باسمهاوفي قضية
البرلمان والتمثيلية النيابية فلا أحد يمكن له أن يدعي تمثيلية الهجرة لأن هذه الأخيرة ليست كل متجانس كما وضحنا آنفا وتفضل إجمالا
اختيار ممثلين لها في مواقع الفعل والقرار المباشر في البلدان التي تعيش فيها حتى ولم يكن هؤلاء الممثلين من أصل مغربي
لأن المهاجرين يعرفون أن مصالحهم هنا والآن لا يمكن الدفاع عنها بطرق الالتواء والالتفاف السياسي والدبلوماسي. علاوة على هذا فإن زرع مثل هذه الأوهام التمثيلية في أوساط الهجرة يعرقل نمو الوعي الاجتماعي لضرورة الانخراط في عملية الصراع الطبقي مع الحلفاء الطبيعيين في بلدان الإقامة ويساهم في تعميق الانعزال والاتكال والتقوقع على الذات. فهل يقتنع "العبر- الوطنيون" بأن البرلمان المغربي يمكن أن يجد حلولاً ناجعة وقابلة للتنفيذ لقضايا مثل العنصرية والتهميش والبطالة في صفوف المهاجرين؟. وحتى إذا وجدت هذه الحلول فعلا، فإنها لن تكون ملزمة لدول لها برلماناتها ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية. فليسألوا "عقا الغازي" عن مغزى التمثيلية البرلمانية من خارج المغرب يبقى لنا أن نشير أن القضايا الإدارية والقانونية للمهاجرين وذويهم يمكن أن تصاغ في ملفات مطلبية وتعالَج بشكل مباشر مع التمثيليات الدبلوماسية والقنصلية المغربية في الخارج. وفي حال انعدام هذه الإمكانية فيجب فرضها نضاليا انطلاقا مما قلناه نستطيع أن نستخلص بأن هناك طموح واضح لربط المصالح الذاتية لبعض أقطاب المناظرة بالمغرب رغم ادعائهم بالدفاع عن مصالح الهجرة وبالشعور بروح المسؤولية اتجاه بلدهم الأصلي وما يجري فيه من تطورات، وبإرادة تحويل هذا الشعور إلى ممارسة عملية في مسار التحول الديموقراطي بالمغرب، فان الواقع يؤكد أن هذا الادعاء الذي يبدو ديموقراطيا في ظاهره هو انتهازي في عمقه. نقول هذا لان الممارسات العملية لهذه العقلية تقترن بمواقف لا تتناسب مع مرماها "التقدمي" إطلاقا. أو هي تتناسب بشكل عكسي معه، لأنها اتخذت الوجه العدمي الساذج في نظرتها إلى قضية الهجرة من جهة والى قضية التطورات التي يعرفها المغرب من جهة ثانية إذا كان "العبر الوطنيون" يؤمنون حقا بأن المغرب يعرف الآن مرحلة انتقال ديموقراطي، وهم الذين تركوا المغرب هجرا أم تهجيرا لسبب ما هو بصدد التحقق فيه الآن، فلماذا لا يرفعون شعار العودة إليه أو على الأقل أن يعودوا هم أنفسهم للإسهام المباشر في تعجيل وتيرة هذا الانتقال الذي كان يحلمون به ويناضلون من أجله ؟ لو حدث هذا – ولن يحدث – سيكون خطوة جريئة ومنسجمة تماما مع ما قطعوا على أنفسهم من عهد والتزام اتجاه الوطن حين غادروه إن ظهور هذه الاتجاهات وأمثالها في عصر تراجعت فيه حتى بعض القوى
التي كانت بالأمس أكثر جذرية، عن إستراتيجيتها المتعلقة بمسألة التغيير السياسي والاجتماعي بالمغرب، يضع في واجهة القضايا المطروحة في المغرب قضية المصداقية النضالية لمن يستبدل الصراع الطبقي بالمعالجات المؤسساتية فقط للقضايا السياسية، الاقتصادية والاجتماعية بل يكشف كذلك عن الإفلاس الإيديولوجي لكل المنبطحين سياسيا، وعلى إخفاقهم في تحقيق ما كانوا يحملونه من شعارات

ملاحظة أخيرة
إن كلمة المهاجرين في هذا المقال عنينا بها أحيانا المهاجرين الرجال فقط، وأحيانا أخرى عنينا بها الرجال والنساء معاً ولم نعني بها أبناء المهاجرين الذين ولدوا خارج المغرب

جمال أوفتيح
ناشط جمعوي
أمستردام

هولاندة