18 mai 2006

سؤال الهجرة بمغرب اليوم



محمد نبيل :falsafa71@hotmail.com
هجرة المغاربة غير الشرعية و المقننة على السواء تشكل ظاهرة اجتماعية مرضية ـ بفتح الميم ـ تستدعي المساءلة و التحليل العلمي من أجل فهم أكبر للحلم الجديد الذي أصبح يراود الكثير من الشباب المغربي. و لضبط هذه الإشكالية سنحاول التركيز على نوعين من الهجرة، الأولى تمثلها الهجرة السرية أو ـ الحريك ـ كما يطلق عليها في اللغة العامية المغربية، أما الثانية فتجسدها هجرة الكفاءات التي تغادر الوطن وتختار الاستقرار في أوروبا و أمريكا في أفق البحث عن شروط أفضل.الهجرة السرية على الطريقة المغربية !أريد أن أهاجر... أريد أن أغادر البلد، تلك هي العبارات التي أمست متداولة على جل ألسنة العائلات المغربية سواء كانت متوسطة الدخل أو المسحوقة منها. فأكثر من 100 ألف مهاجر مغربي سري يركبون البحر سنويا من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى. و بما أن المسافة الفاصلة بين المغرب و أرويا لا تتعدى 12 كلم فإنه أضحى من السهل المخاطرة بالنفس والوصول إلى ـ الفردوس الأوروبي ـ. هذا الهدف لا يتأتى بدون دعم من مافيات متخصصة في التهريب والتي تحقق عائدات مالية تقدر ب 100 مليون أورو سنويا و هو ربح يعد أصغر بكثير مما تحققه تجارة المخدرات (1). لكن بمقابل ذلك تؤدي الهجرة السرية إلى إزهاق أرواح الكثير من المغاربة. وفي هذا الإطار تقدم إحصائيات جمعية أصدقاء و ضحايا الهجرة السرية أرقاما مهولة، فقد سجلت الفترة الممتدة ما بين سنة 1997 و 15 نونبر 2001 وفاة 3286 مهاجرا سريا، تضاف إليهم أعدادا من المفقودين و الأطفال الذين يتم طردهم من طرف السلطات الأسبانية على الحدود من مدينتي سبتة و مليلية المحتلتين والمعروفتين باستقبالهما لأكثر من 25 ألف عابر يوميا يمارس أغلبهم التهريب بكافة أنواعه.وقبالة هذا الواقع المر تصرح السلطات المغربية بأن أفواج المهاجرين السريين تأتي أساسا من إفريقيا و الشرق الأوسط و حتى من آسيا، لكن المسؤولين الأسبان يقرون بحقيقة مغايرة مفادها أن 80 في المئة من المهاجرين السريين هم من المغاربة لتوفرهم على وسائل و طرق تسهل عليهم عملية العبور سرا إلى أسبانيا. هذه الأخيرة طردت فقط خلال سنة 2001 قرابة 21 ألف مهاجر مغربي سري و أحصت قرابة 25 ألف ممن أحرقوا وثائق إثبات هويتهم.اللجوء إلى أوروبا لا يتحقق فقط عبر ركوب مياه البحر بل يتم كذلك عبر التلاعب بالقانون و الرشوة و على سبيل المثال لا الحصر، خلال موسم 2002، تورط نادي رياضي مغربي وهمي في تسليم العشرات من التأشيرات إثر عملية التنسيق مع الجامعة الفرنسية لرياضة الريكبي. هذا دون نسيان وسائل كثيرة يلجأ إليها المرشحون للهجرة السرية و يتعلق الأمر بالاختباء داخل الشاحنات التي يقدر عددها ب100 آلاف شاحنة تعبر مضيق جبل طارق سنويا.مضاعفات الهجرة السرية أمست تقلق المسؤولين الأسبان بل تساهم في توتر العلاقات السياسية بين المغرب و أسبانيا والتي أمست متأرجحة، أمر دفع السفير الأسباني السابق خورجي ديسكارار إلى الإقرار بأنه منذ استدعاء السفير المغربي بمدريد و إلى حدود سنة 2001 تظل الهجرة السرية هي سبب توتر العلاقات بين البلدين.عموما، يبقى السؤال المطروح بحدة: ماهية أسباب لجوء المغاربة إلى الهجرة السرية ؟ ماهية أبعاد هذه الظاهرة الاجتماعية ؟ أسئلة معقدة و ملتبسة تتداخل فيها الكثير من العوامل وعلى رأسها العوامل الاقتصادية و السياسية التي لا مفر من طرحها. فالمغرب يمر بأزمة اقتصادية خانقة في ظلها ترتفع نسبة العطالة بشكل خطير حيث تصل ـ حسب د. المهدي المنجرة إلى 27 في المئة (2). فاقتصاد المغرب الهش يتميز بسيطرة مجموعات صغيرة و أفراد على المجالات الحيوية للبلاد مما يعمق الهوة بين المسحوقين و المجموعات المستفيدة من النظام.)راجع بهذا الخصوص ملف أعدته ألنوفل أوبسرفاتور في عددها الصادر يوم التاسع من مارس 2006 تحت عنوان : المغرب الجديد ( حقيقة الاقتصاد المغربي المعطوب جعلت المنظمة العالمية للتنمية ) PNUD ( تصنف المغرب في الرتبة 124 عالميا.) راجع بهذا الخصوص تقرير المنظمة حول المغرب سنة 2005(.هذا التصنيف و حالة الاختناق التي تعاني منها البلاد على جل المستويات و أسباب أخرى ،كلها تؤدي بالشباب حاملي الشواهد و ذوي الكفاءات إلى البحث عن كل السبل المشروعة و غير المشروعة من أجل مغادرة البلاد كبديل مرحلي أو دائم، بل أكثر من ذلك، تشير المعطيات إلى وجود الكثير ممن يختارون العمل في المهجر ولو داخل مؤسسات لا تتناسب مع إمكانياتهم و شواهدهم. إن مشكلة البطالة بمغرب اليوم أمست تشكل شبحا اجتماعيا خطيرا، فأعداد المعطلين تتزايد كل سنة وهي حالة يختزلها تصريح أدلى به الكاتب العام للجمعية الوطنية لحاملي الشهادات عبدالواحد الكديل في ماي 2005، والذي أكد على وجود 200 ألف معطل (3)، يتأطر جزء كبير منها في عشرات من الجمعيات و المنظمات التي تدافع عن حقوق المعطلين.أما إذا عدنا إلى الأسباب السياسية فنجدها متعددة تتلخص في غياب إرادة الحاكمين الحقيقية لوضع القوانين و التشريعات التي تساهم في بناء دولة الحق و القانون. فالمواطنة و الشغل هما بمثابة حقوق يجب أن تضمن لكافة المغاربة دون تمييز، و هذا ما يجعل من فتح النقاش حول مشروع الدولة الديموقراطية أمرا ملحا على المستويين الداخلي و الخارجي، وعلى ضوءه يفتح ملف تغيير الدستور ووضع مخطط تنموي حقيقي و متوازن يستجيب لتطلعات المغاربة. إن دولة الحق و القانون كما تعرفها النظم الدولية ودور الإتحاد الأوروبي كشريك أساسي في عملية التنمية بالمنطقة من شأنهما المساهمة في إبعاد شبح المخاطرة بنفوس المواطنين، وهي مطالب صعبة التحقيق في ظل الشروط الآنية التي ما تزال فيها العقلية القديمة هي سيدة الموقف، إضافة إلى أخطار ظواهر التطرف، الانحراف و التمرد بكافة ألوانه. ) أحداث ماي الإرهابية ، احتجاج المواطنين ضد غياب الأمن بالعديد من المدن المغربية الخ (هجرة الكفاءات أو صورة المغرب اليائس !يعد موضوع هجرة الكفاءات أعقد من سابقه نظرا لتتعدد خيوطه و أسبابه وكذلك لغياب معطيات دقيقة من شأنها أن تسمح لنا بتعميق النظر في إشكاليته .فالآلة الإحصائية المغربية مازالت عتيقة و لا تقدم ما يشفي في هذا الباب. و محاولة منا من تقريب صورة هذا النوع من الهجرة المغربية، لابد أولا من الإشارة إلى أن الحديث عن هذه الظاهرة انطلق منذ أن أعلنت البرازيل، مصر، إيران و نيجيريا سنة 1967 تقديم طلب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل إنجاز دراسة علمية حول ملف هجرة الكفاءات و العقول عالميا. ثانيا، كل تحليل لظاهرة هجرة الكفاءات يستحضر بالضرورة سؤال الأسباب و التي تختزل في حضور شروط أساسية على رأسها: محيط سوسيو ثقافي متخلف، بنية البحث العلمي المتجاوزة و التي تعري عن إرادة أصحاب القرار في تخصيص 0,2 في المئة من الناتج الخام للبحث العلمي في الوقت الذي نجد فيه بلدان كالصين تخصص 9 في المئة ، أما الإتحاد الأوروبي فيخصص 178 مليار سنويا لدعم البحوث العلمية وتطوير شروط بنائها . ترى كيف يمكن للكفاءات المغربية أن تستقر في وطنها الأم وهي تكتشف أنها متجاوزة زمنيا و علميا، فبنية البحوث العلمية لا يمكن لها مقاومة السيل الجارف للمقالات المتخصصة التي تنتج يوميا؟ فحسب د. المنجرة هناك 600.0000 مقالة تنشر في 65 ألف مجلة علمية كل سنة دون الحديث عن 2500 عنوان لمطبوعات جديدة تصدر كل يوم، هذا مع الإشارة إلى أن 90 في المئة من البحوث تنشر باللغة الإنجليزية (4)إذن القول بوجود بحث علمي بالمغرب يعد ضربا من ضروب الخيال بل تجاوزا لمنطق الاستثمار العلمي المحدد بالأرقام، الهياكل، النظم و بالموارد البشرية والتي تشكل خسارة كبرى للمغرب تصل نسبتها إلى 20 في المئة مما يجعل البلاد مقبلة على كارثة اجتماعية و إقتصادية ستمس كل المجالات الحيوية. بالمقابل ـ و هذا هو الغريب في الأمر ـ تسجل عائدات المهاجرين بما فيهم الكفاءات المغربية أرقاما مهمة. ففي الفترة الممتدة بين سنتي 1968 و 2003 نجد أن تحويلات المهاجرين المالية وصلت إلى 34,733,8 مليون درهم بحيث تضاعفت النسبة 174 مرة خلال الفترة السالفة الذكر ) إحصائيات مكتب الصرف المغربي ( . هذا الارتفاع تعززه أرقام البنك الدولي التي تشير إلى أن المغرب يصنف في المرتبة الأربعين بعد الهند في ما يخص صرف العملات من طرف المهاجرين لتكون نتيجته الأساسية هي وصول الموارد المالية المغربية سنة 2002 إلى حدود 3,3 مليار دولار . السؤال المطروح: أين تصرف هذه الأموال و إلى أي مدى تستجيب لطموحات المهاجرين وآفاقهم العلمية و التنموية عامة ؟هل أموال المهاجر مفيدة و ضرورية للبلاد أما حقوقه فمهضومة؟ ما الفائدة من تأسيس المجلس الأعلى للمهاجرين المغاربة ووضع فكرة تمثيلهم سياسيا داخل وطنهم بمشاركتهم في الانتخابات بالرغم من أن الشروط الضرورية مازالت غير متوفرة ؟ الإجابة عن هذه التساؤلات لابد أن يرفع الحجاب عن حقيقة غياب التنظيم و العقلنة للمشاريع التي تخص مجتمع برمته. ويكفي أن نقول ـ بغض النظر عن الشعارات و الإجراءات الصورية ـ أنه لحدود الساعة لم يتم فتح نقاش حققي حول كيفية تفعيل دور المهاجرين في التنمية بما فيهم الكفاءات التي غادرت البلاد منذ عقد من الزمن وكأن أصحاب القرار المغربي في غنى عن خدمات جزء كبير من المواطنين !ما العمل ؟مجرد إلقاء نظرة عامة حول ظاهرة اللجوء الجديدة التي بموجبها يختار المغاربة الهجرة سواء السرية منها أو المقننة لضمان لقمة العيش أو إيجاد شروط علمية و سوسيوثقافية معقولة تسمح بالإنتاج و التطور إلا و نتساءل: ما العمل لتجاوز هذه الكارثة الاجتماعية ؟العديد من التحليلات و الكتابات الصحفية المحايدة تلح على ضرورة انخراط المغرب في بناء دولة الحق و القانون و ما يترتب عنها من إجراءات معتمدة لإنصاف كل المواطنين اعتمادا على معيار الكفاءة و الوضع الاجتماعي و وفق مبادىء حقوق الإنسان التي تضمنها المواثيق الدولية. فلابد من فتح نقاش واضح من أجل صياغة دستور شعبي وديموقراطي يضمن كافة الحقوق لكافة أفراد الشعب، كما لابد من وضع استراتيجية وطنية لجلب الكفاءات المغربية بالخارج و خلق مناخ صحي لهذه الأطر من أجل الاستفادة من طاقاتها في كل المجالات سواء انطلاقا من البلدان التي تحتضنهم أو داخل المغرب دون إقصاء أو تهميش، فتكنولوجيا الاتصال و الإعلام تسمح بخلق تواصل فعال بين الأطر في كل بقاع العالم. ونضيف إلى ذلك ضرورة تخليق الحياة العامة وداخل المؤسسات وبث روح المسؤولية بعيدا عن المناورة و التلاعب. لاشك أن هذه المقترحات يجب أن تدخل في إطار نقاش وطني مسؤول حول المشروع المجتمعي الجديد الذي يجب أن يختاره المغرب في كل أبعاده كبدبل مرحلي يقطع مع ماضي سنوات الظلام ويدشن لحقبة جديدة على أرض الواقع. إحالات:(1)Lire le Maroc en transition, Poche-Essai, La Découverte, Paris, 2002, France (2)La jeunesse marocaine et les défis de l’exode des Compétences, Conférence présentée par Dr Mahdi El Mandjra à Rabat le 23 avril 2005. (3) Ibid (4) Ibid