22 mai 2006

المنسيون المغاربة في الصخرة


نادية بنسلام


مهاجرو جبل طارق الأسوأ وضعا يُرحلون في وضعية التقاعد والبطالة
وممنوعون من التجمع العائلي والتعويضات الاجتماعية والجنسية.

ما كانت قلة الحظ لتكون للمهاجرين المغاربة في جبل طارق محض قدر طائش استثناهم من الأضواء.
إنها قلة حظ تشبه اللعنة، تطارد كل تفاصيل حياة هؤلاء الذين قرروا أن تكون نهاية رحلة الهجرة في أقرب نقطة من الوطن. وبدل أن تبقيهم الصخرة قريبين من وطنهم، طوحت بهم أشد ما يكون التطويح، حتى باتوا المهاجرين المغاربة الأبعد عنا.
ولأنها صخرة بمعنى الجلمود الذي لا يتفجر عيونا، وهي بالفعل جلمود مجازا وجيوفيزيائيا، تعاني على الدوام من قلة الماء، فإن جبل طارق لم يكن لهم الوطن البديل، ولم يمنح هؤلاء المغاربة حقوق المواطنة كاملة، فكان أن تحول مغاربة الصخرة المهاجرين الشرعيين الأقل حقوقا في أوروبا، وبالتالي الأقل اندماجا، فالصخرة استبقت تاريخيا زمننا، وظلت محافظة على هذا السبق التاريخي في نهجها سياسة بالغة التشديد تجاه الأجانب، تجاوزت التشدد الذي بلغته قوانين الهجرة في المرحلة الراهنة، وفي هذه السياسة يبرز المهاجرون المغاربة الأكثر تضررا.
في جبل طارق رجال أكثر بكثير من النساء. خلل في التوازن بين الجنسين غير طبيعي، مع أن ذات الخلل عبر أرجاء العالم يسير عكسا، نساء أكثر مقابل رجال أقل. وفي الماضي، كان وجود المرأة فوق الصخرة يقترب من المستحيلات، فكان الرجل يستأسد بئيسا في المرتفعات، رفقته الوحيدة سلاح ونار، وحضور مؤقت للمرأة بجانبه.
فقد فرضت الوضعية السياسية لصخرة جبل طارق، كونها مستعمرة بريطانية محل نزاع بين المملكة المتحدة وإسبانيا وضعية استثنائية جدا على المهاجرين.
في الفترة ما بين نهاية الستينات وأواسط الثمانينات، لدى إعلان المملكة المتحدة جبل طارق قلعة عسكرية، كان على جميع النساء الأجنبيات مغادرة الصخرة إن كن حوامل، تجنبا لإنجاب أطفال يترتب عن ازديادهم فوق الصخرة حقوق المواطنة. وتضاءل عدد المغاربة خلال هذه الفترة، بعدما كان بلغ الضعف ما بين 1964 و1969، بحوالي 2500 مغربيا وفقا لما تشير إليه دراسة لجامعة ساسيكس الأمريكية في دجنبر 2004. وفي مصادر أخرى، تدفق حولي 5000 مغربي نحو الصخرة بعد إعلانات استقطاب العمال التي نشرتها حكومة الجبل في المغرب للخدمة في القاعدة العسكرية البريطانية. وقد حدث ذلك لإنقاذ الاقتصاد البريطاني في الصخرة من الأزمة، إثر تصعيد التوتر في العلاقات البريطانية الإسبانية، وفرض إسبانيا أولى إجراءات التشديد على العمال الإسبان في جبل طارق في 1964، وإقدام إسبانيا على إغلاق الحدود مع جبل طارق بشكل نهائي في 1969.
ثم عادت المغربيات لتواصلن حياتهن الاجتماعية والأسرية بشكل طبيعي فوق الصخرة بعد العام 1986، إثر السماح لهن بالإنجاب فيها. واستباقا لكل التشديدات التي ستحصل في قوانين الهجرة في وقتنا الراهن، فرضت سلطات الصخرة عدم منح حقوق المواطنة كاملة لأبناء المغاربة المزدادين فوق أراضيها إلا بمرور ربع قرن من ولادتهم!
ثم تصاعدت وتيرة التشديد منذ العام 1992، واضعة صعوبات أكثر من السابق أمام فرص عودة العمال المغاربة للعمل في حالة فقدانهم عملهم الأول. واستمر هذا الطابع المتشدد مخيما على فترة التسعينات، حيث أحدثت حكومة الصخرة سياسات لتشجيع المغاربة على العودة لوطنهم، لكنها كانت تفتقد المحفزات الكافية للتحقق.
ومن أصل أزيد من ألفي مهاجر مغربي نهاية الستينات، بقي فوق الصخرة أقل من ألف فرد من الجالية المغربية، أغلبهم ذكور، حتى بعد إقرار حق الإنجاب للمغربيات، فقد قابله إقرار» ترحيل» المغاربة إلى وطنهم بعد بلوغ سن التقاعد! ولم يعوض الخلف انسحاب السلف من مواصلة الحياة فوق الصخرة بعد انتهاء عمرهم المهني، واستغناء مجتمع جبل طارق عن وجودهم وعطائهم.
ويحدد آخر إحصاء للمهاجرين في الصخرة إلى حدود مارس من العام 2006 عدد المغاربة في 967 مهاجرا. ومن المثير أن نعلم أنه حصل «ارتفاع» في عدد المغاربة منذ الإحصاء السابق في 2001 بلغ طيلة خمس سنوات ستة مغاربة بالتمام والكمال! بينما نعلم أنه في ظرف سنة تقريبا، 1968/1969 كان قد بلغ ضعف 1300 تقريبا، لما كانت الحكومة المحلية تحتاج للمهاجرين المغاربة ليعوضوا إجلاء إسبانيا لعمالها من الصخرة بعد إغلاق الحدود وقرارها مواصلة المطالبة باستعادة جبل طارق.
بداية العام 2006، فرنسا تفرض الهجرة المنتقاة، وهولندا وألمانيا تجري اختبارات/ مباريات لتقييم مؤهلات المرشحين للهجرة للاندماج في المجتمع الغربي وقيمه قبل أن يتخطوا عتبة بلدانهم الأصلية، وإسبانيا أقفلت الأبواب بعد انتهاء مسلسل تسوية وضعية المهاجرين السريين فيها...في هذه الأثناء، يعيش مهاجرونا ال967 في جبل طارق وضعية أسوأ من وضعية الهجرة الراهنة التي تواجه رفضا كبيرا من المهاجرين وهيئات المجتمع المدني الدولي.
من حيث يقطنون، يمكن للمغاربة في يوم صحو أن يتمتعوا عبر المضيق برؤية جبال وطنهم جهة الريف. متعة غير خالصة، لأنهم يشرفون على الوطن القريب من خلال ثكنتين عسكريتين في مرتفعات الجبل نال منهما الإهمال خرابا. بعد جلاء القوات البريطانية منهما. هناك يقطن معظـم المغاربة في عزلة وبؤس وضيق وعنصرية، يعانون أزمة السكن، لأن السلطات المحلية لم توفر لهم بديلا أفضل، رغم فراغ عدة محلات سكنية من الجنود، والسكان الأصليون لا يرحبون بإسكان المغاربة أو مجاورتهم.
بعد ربع قرن من العمل في الصخرة، وأداء مئات الآلاف من الباوند ) العملة البريطانية تساوي حوالي 16 درهما مغربيا( للضرائب والتأمينات الاجتماعية، لا يحق للمغاربة الاستفادة من التعويضات العائلية عن ابنائهم الصغار. أنكى من ذلك، يواجه الابناء مستقبلا أسود في حالة فقد الآباء العمل، إذ يتعرضون بعدها ل» التيتيم»، لأن سلطات الصخرة ترحل الآباء العاطلين إلى المغرب إن لم يعاودوا العمل في ظرف ستة أشهر، لأنهم خارج نظام التعويض عن البطالة!
إنهم مُرحّلون في جميع الحالات، كانوا عمالا فتقدموا في العمر وتقاعدوا، أم كانوا شبابا يشتغلون وتعرضوا للبطالة!
وتضع سلطات الصخرة البريطانية تشديدات كبرى على الحق في التجمع العائلي، فلا وجود لقوانين رسمية تجيز استقدام الزوجة أو الأطفال، وهذا ما يكرس غلبة العنصر الذكوري المغربي الذي يعيش وضعية العزوبة إجباريا بينما معظمه متزوج.
وقبل العام 2000، لم يكن الحرمان من هذا الحق يتسبب في إلحاق كل الضرر الحاصل اليوم بالأسر المغربية، فقد كانت الرحلة من الصخرة إلى طنجة محصلة نصف ساعة على الأكثر عبر خط نقل بحري مباشر تم إلغاؤه، بعد اعتبار الصخرة خارج منطقة شينغن، وأضحى على المغاربة طلب الفيزا من إسبانيا لدخول المغرب عبر الخزيرات، بحيث فقدوا امتياز الوضع الاعتباري للمهاجرين في الصخرة، وأضحى تعامل إسبانيا أكثر تشددا معهم كما باقي المهاجرين المغاربة.
ورغم أن المغاربة يشكلون أقل من 4 ٪ من السكان البالغ عددهم 27 ألف و833 نسمة حسب إحصاء 2005، فإنهم الأقلية الأجنبية الأقل امتيازا ضمن السكان الأجانب، ولا يشكلون لوبيا قويا في صفوف المهاجرين، خاصة وأن قانون الجنسية شديد الصعوبة، مما يجعلهم محرومين من المشاركة السياسية، بينما تبرر سلطات الصخرة عدم إدماجها للمهاجرين بضيق مساحة جبل طارق، 5،6 كلم مربع وبالكثير من التجاهل والتمييز العنصري تجاه المهاجرين المغاربة.
nadiabensellam@yahoo.fr