18 juin 2006

المهاجرون المغاربة والتنمية


جمال الموساوي
في إطار المناقشة العالمية المتزايدة المتعلقة بالهجرة الدولية، يتمثل أحد الأبعاد الأكثر مدعاة للتفاؤل من ناحية السياسات العامة في ذلك البعد المتمحور حول العلاقات المعقدة التي تجمع بين الهجرة من جهة والتنمية الاقتصادية ولالتغير الاجتماعي من جهة أخرى. ويبعث ذلك على التفاؤل لسببين على الأقل.
أولا تفتح إمكانيات تعزيز السياسات العامة للآثار الإيجابية للهجرة وتخفيفها للآثار السلبية إمكانية أن تصبح الهجرة مساهما صافيا في جدول الأعمال العالمي المهم للحد من الفقر في بلدان الجنوب.
ثانيا، تنطوي هذه المسألة على إمكانية الجمع بين البلدان المرسلة والبلدان المستقبلة لتطوير حالات هجرة تعود بالنفع على كليهما بينما لم يكن هناك في الماضي كثير من الحوار بين المجموعتين. والشيء المطلوب هو تدخلات سياسات عامة وبرامج سليمة على أساس فهم جيد لدينامكيات الهجرة الدولية المعاصرة والعلاقة الثنائية الاتجاه مع التنمية.
»من آخر تقرير حول الهجرة الدولية أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة«
تحويلات المهاجرين
يحتل المغرب في أرقام تقارير الهجرة الدولية الرتبة العاشرة بين الدول المستفيدة من تحويلات مهاجريها المقيمين بالخارج بحوالي 4.2 مليار دولار، لكنها لا تمثل إلا أقل من 10 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. ولعل من المهم التساؤل ْن أهمية هذه التحويلات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، خاصة أن تقارير الهجرة غالبا ما تثير هذا الجانب معتبرة أن لها أثرا إيجابيا جدا من ناحية مساهمتها في التخفيف من الفقر، والرفع من حجم الاستهلاك الذي يساهم من وجهته في حث عجلة الاقتصاد على الدوران، وزيادة نشاطها، بما يعين على توفير أرضية لخلق وحدات إنتاجية لتلبية الطلب المتزايد.
ومما يزيد من أهمية دور تحويلات المهاجرين في التنمية السياق العام الذي يتميز بتوجه المساعدات الدولية للتنمية نحو التقلص وارتباطها بشكل متزايد بمصالح سياسية دولية. وبغض النظر عما يمكن أن تحدثه تحويلات المهاجرين على المستوي العائلي ، من حيث إسهامها في رفع القدرات المادية لأسر المهاجرين وتمكينها من فرص أفضل ليحظى أبناؤها بتعليم جيد ويحصلوا على خدمات طبية أفضل، ومن إمكانية تشكيل نوع من الرأسمال القابل للاستثمار في مجال من المجالات ، فإن هذه التحويلات تساهم أيضا في تقليص عجز ميزان الأداءات وفي الرفع من احتياطي العملة الصعبة لتغطية الواردات وكذلك لاستخماد الدين الخارجي.
ولكن غالبا ما تحجب هذه الآثار الإيجابية بعض الجوانب السلبية التي تنتج عن تزايد تدفق التحويلات، ومن ذلك الرفع من مستوى السيولة النقدية التي لا يسايرها دائما رفع في مستوى الإنتاج نتيجة الضعف الأصلي للاقتصاد المغربي، مما قد يؤدي إلى رفع معدل التضخم، وحسب كتاب أصدرته مؤسسة الحسن الثاني في السنة الماضية بعنوان» مغاربة الخارج والتنمية« ، فإن النظام البنكي نفسه يتحمل جزءا وافرا من المسؤولية في هذا الوضع، لأن ارتفاع تحويلات المهاجرين المغاربة على شكل ودائع بنكية لا يتم تصريفه في القروض الموجهة للاستثمار خاصة في المقاولات الصغرى والمتوسطة إلا بشكل ضئيل ، حيث لم يتعد مبلغ القروض التي مُنحت من هذه التحويلات 3.2 مليون درهم، وقد شهد هذا المبلغ تراجعا متواصلا خلال السنوات الأخيرة بشكل عام بالرغم من أن تحويلات المغاربة ارتفعت بين 1996 و 2002 بنسبة 182.43 في المائة. وهو ما يعني أن مساهمة هذه التحويلات في عمليات الاستثمار على شكل قروض بنكية تظل ضئيلة جدا.
استثمارات المهاجرين
من المهم جدا، عندما يتعلق الأمر بالهجرة الدولية، التركيز على ضرورة الحرص على تقوية الارتباط بالوطن الأم، خاصة بالنسبة للأجيال التي ولدت في بلدان المهجر، لأن من شأن ذلك المساهمة في النهوض، بشكل فعلي، بعملية التنمية، سواء عبر توظيف أموالهم مباشرة في المشاريع الاستثمارية أو بالعمل على نقل الأفكار والمهارات التي اكتسبوها هناك، وهذا الجانب الأخير أكثر أهمية من الأول على كل حال، مادام أن بلدا كالمغرب لا يعدم رؤوس أموال محلية هائلة، لكنها في حاجة إلى أفكار وإلى تحسين توظيفها.
وإذا كانت استثمارات المهاجرين المغاربة في بلدهم على هذا القدر من الأهمية، فإن الواجب يقتضي إجراءات تحفز هؤلاء على نقل جزء من مدخراتهم لتوظيفها هنا وتشجعهم على ذلك، ولعله من المفيد تيسير المساطر الإدارية المتعلقة بالترخيصات وكذلك بتمكينهم، وكل المستثمرين، من تسهيلات جبائية .
وتحمل الأرقام التي يقدمها الكتاب الإحصائي » مغاربة الخارج والتنمية« الكثير من الدلالات، حيث تشير نتائج استطلاع حول موضوع الاستثمار الى ان حوالي 26 في المائة من المستثمرين واجهوا صعوبات في إنجاز مشاريعهم، ومن أهم هذه الصعوبات بطء العمل الإداري وعدم تعاون الأطر الإدارية، وانتشار الزبونية والرشوة، وهي مظاهر معيقة للاستثمار بشكل عام، كما ان ارتفاع معدلات الضريبة، خاصة على الدخل وعلى الشركات، يساهم بحدة في نفور المهاجرين المغاربة من القيام باستثمارات في بلدهم.
وهنا لا يجب النظر فقط في حجم الاستثمارات المنجزة، فقد تكون غالبا صغيرة أو متوسطة وقد تكون في إطار محلي، ولكنها تساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية، بتوفير دخل لعدد من الناس، وبالتالي تساهم في المجهود الوطني لتقليص البطالة.
وما دام الأمر يتعلق بالحديث عن المهاجرين والتنمية من المهم الإشارة إلى الكتاب الذي أنجزته زكية داود وحمل عنوان » مغاربة الضفة الأخرى، المهاجرون المغاربة فاعلون في التنمية المستدامة«، الذي يتحدث عن تجربة هؤلاء في التنمية المحلية في الكهربة القروية وتوفير رالماء وبناء الطرق والمستوصفات والمدارس.
دول متقدمة تستنزف الدول النامية من كفاءاتها
باحثون وأطباء ومهندسون مغاربة في خدمة ناس آخرين
أعاد قانون الهجرة الانتقائية الذي صادقت عليه، خلال الشهور الأخيرة، الجمعية الوطنية الفرنسية، إلى الواجهة قضية غاية في الأهمية وتكتسي حساسية مفرطة، لما لها من انعكاساتٍ على مختلف جوانب التنمية في البلدان النامية. تلك هي قضية هجرة الكفاءات التي تستقطبها الدول الصناعية وتدمجها في نسيجها العلمي والصناعي والاقتصادي. إن هجرة الأدمغة، بالمصطلح المعتاد، قد تبدو في الظاهر مسألة فردية مرتبطة بحرية شخص من الأشخاص في البحث، لنفسه ولعائلته، عن أفقٍ يتيح له حياة أفضل، وبالتالي بحريته في التنقل والاستقرار والعمل.
بيد أن تدافع هذه الكفاءات على القنصليات والسفارات الأجنبية للحصول على تأشيرات الدخول إلى الدول الصناعية يشكِّل، بالنظر لحجمه المتزايد، قضية تتجاوز ما هو فردي أو شخصي إلى ما هو أبعد، ومن هنا عمد البعض إلى طرح سؤال مستفزّ حول ما إذا كانت هذه الهجرة نوعاً من الخيانة للوطن.
ولكن لكل هجرة، مهما كانت، أسبابٌ منها ما هو وجيه ومنها ما هو أقل وجاهة، ولكنها في الغالب أسباب اقتصادية يحفزها واقع مزري تعشش فيه مختلف الأزماتِ من الفقر والبطالة والمرض، وما لا يمكن حصره من الآفات، وهذا تؤكده بلاشك ـ في الحالة المغربية ـ الأعداد المتزايدة من المهاجرين غيرالقانونيين الذين يركبون، ويعاودون ركوب، الأخطار رَجاء الوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط، ضفة الرفاه. ضفة الأمان، على حدّ زعْم الصور في الإعلام، وتأكيد المهاجرين الذين سبقوا إلى هناك في سياق موجات الهجرة التي بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتشكل الهجرة في الوقت الراهن تحدياً عالمياً سواء بالنسبة للدول المصدرة لها أو المستقبلة، خاصة مع ربطها، في الدول المستقبلة، بمجموعة من الظواهر الخطيرة التي طفت إلى سطح الأحداث خلال السنوات الأخيرة، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بشكل خاص، علماً أن النزعات العنصرية في بعض الدول الغربية، ربطت قبل هذا التاريخ بين المهاجرين وانتشار الجريمة وتفاقم نسب البطالة، الأمر الذي دفعها، بحثا عن أصوات انتخابية في الغالب، إلى تبني خطاب متشدد محوره طرد المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.
وإذا كانت الهجرة، عامةً، مفهومة في سياق الظروف الاقتصادية التي تعيشها الدول الفقيرة، فإن هجرة الأدمغة لا يمكن بأي حال تفسيرها من خلال تلك الظروف فقط، بل من خلال عوامل قد يكون صحيحاً ربطها بالاقتصاد لكنها تندرجُ في إطار شاملٍ يمكن فيه طرح أسئلة تتعلق بالبحث العلمي، وبإمكانياته وبالوسائل المتوفرة للباحثين ومدى الاعتراف بالكفاءات، وغير ذلك من القضايا التي يتم إهمالها في دول العالم الثالث نتيجة الانشغال بقضايا تبدو ذات أولوية كالفقر أو البطالة حيث يتم إدماج هذه الكفاءات أحيانا في قطاعاتٍ للقيام بأعمال لا تتلاءم مع تخصصاتها وتكوينها، أو نتيجة أوضاع مفروضة مثل الانخراط في نزاعات إقليمية أو الخضوع لقوانين الأقوى مما لا يسمح لهذه الدول بالتخطيط لتنمية مستقلة ومندمجة.
تكاد تكون هجرة الأدمغة ظاهرة افريقية بامتياز، إذا استثنينا موجات هجرة الأدمغة التي عرفتها الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفاتي السابق، حيث تفقد افريقيا منذ 1990 ما يقارب20.000 من كفاءاتها سنويا، بعد أن خسرت في المرحلة من 1985 إلى 1990 نحو 60.000 ألفاً، وهو ما يؤشر على نزيف حقيقي يحرم القارة من الاستفادة من إمكانيات هؤلاء لتحقيق النمو، ودفع هذا كوفي عنان إلى القول ان »الابتكار العلمي هو القوة المحركة للتنمية. وإذا كانت افريقيا تريد المشاركة في هذا التقدم فعليها أن تغير أولوياتها وسياساتها من أجل تطوير المعارف والخبرات في الميدان العلمي.«
ولعلنا من منطلق مايعرفه المغرب من موجات المهاجرين القانونيين وغير القانونيين الذين يرغبون في مغادرة البلاد، نتساءل عن نسبة الكفاءات ضمن هؤلاء. وعن الأسباب التي تدفعها الى ذلك، وأيضا عن الخسائر التي يتكبدها بلد يطمح إلى تحقيق نسبة نمو جيدة، والى تنمية شاملة.
حسب بعض الإحصائيات غير الرسمية، يشتغل مايزيد عن 700 من الباحثين المغاربة مع المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، وهو رقم مهم ضمن فريق البحث بهذا المركز، كما أن هناك 600 طبيب اختاروا الاشتغال خارج المغرب، سواء هاجروا بعد تخرجهم أو فضلوا الاستقرار هناك بعد انهاء دراستهم، وإذا علمنا أن عدد الذي يحصلون سنويا على دبلوم مهندس في المغرب لايتعدى 200 مهندس أدركنا أهمية ماتعنيه أرقام المهاجرين منهم، مهما كانت صغيرة، مع أنها ليست كذلك على أي حال، إذ تتجاوز نسبة المتخرجين من مدارس المهندسين الذين يفضلون الالتحاق بالخارج ما يقارب 60 في المائة، ليساهموا في تنمية مجال البحث العلمي هناك وإمداد مؤسسات بطاقات إضافية كان من الممكن أن تعمل على توفير بنك أفكار من أجل تنمية الوطن، إلا أن هذا مجرد وجه واحد للخسارة التي يتكبدها المغرب نتيجة هجرة كفاءاته التي حصلت على تكوين جامعي.
ذلك أن الـ 200 مهندس الذي يتخرجون سنويا يكلفون الدولة مايناهز 1 مليون درهم خلال المرحلة الجامعية فقط.
لقد سهل انفتاح الاقتصاد العالمي وزحف العولمة تنقل الأشخاص والأموال ويَسَّرَ تداول المعلومات والأفكار بحيث أصبح كل شيء مكشوفا، وبإمكان أي كان، إجراء المقارنات بين مستويات الحياة المختلفة في هذا البلد أو ذلك، ويجعله بالتالي نهبا للاغراءات التي تقدمها الدول المتقدمة لاستقطاب الكفاءات المتفوقة، ويمكن قراءة هذه الإغراءات من خلال مجموعة من الاجراءات والمظاهر التي تحكمها نظرة براغماتية جدا رأى فيها البعض نوعا من استمرار التفكير الاستعماري أي أن الدول الاستعمارية السابقة أصبحت تنظر إلى العالم الثالث كخزان للكفاءات على غرار ماكان في الماضي، خزانا للمواد الأولية، إضافة الى إدماج القضية في نوع من صراع المصالح للحيلولة دون تنمية مستعمراتها السابقة فمثلا إذا كان المغرب يخسر أكثر من مليون درهم سنويا على التكوين الجامعي لـ 200 مهندس، فهو لايكتفي بهذه الخسارة، بل يساهم في توفير هذا المبلغ بالنسبة للدول التي تستقبل هؤلاء المهندسين، أكثر من ذلك فهؤلاء من خلال أفكارهم ومساهمتهم في البحث العلمي يعمقون الفجوة بين بلادهم والدول التي استقروا فيها، ويرى العديد من الخبراء من بينهم المهدي المنجرة، أن هجرة الأدمغة المغربية اضطرارية وليست اختيارية، وهم يقدمون مجموعة من الحجج التي تدفع هذه الأطر للبحث عن أفق أفضل خارج المغرب، وعلى رأسها منظومة الفساد المستشري في مختلف دواليب الادارة، الأمر الذي يكرس واقع المحسوبية في التوظيفات، على قلتها، وهو واقع يعمل على تغييب الكفاءات الحقيقية وتهميشها أو في أفضل الحالات، يتم الزج بها في مجالات لاعلاقة لها بتخصصها، كما تعزى هذه الهجرة أيضا الى ضعف الاقتصاد المغربي على استيعاب هذه الكفاءات والاعتراف بطاقاتها وتمكينها من الوسائل اللازمة لتفجير هذه الطاقات، وهذا الضعف يتجلى في ندرة الموارد المالية ـ إضافة الى الاختلاس الذي تتعرض له هذه الموارد وأيضا في ضعف البنيات المؤسساتية التي تشجع البحث وتحتضن الباحثين.
إذا أضفنا إلى أسباب الهجرة أعلاه هزالة الأجور، إذا قورنت بمجهودات هؤلاء الباحثين، يمكننا فهم أو تفهم إقدام الكفاءات المغربية على الرحيل مستسلمة للاغراءات الكبيرة التي تقدمها الشركات العالمية الكبرى والدول الصناعية المتقدمة لاسترجاع مبالغها التي استثمرتها على شكل مساعدات للتنمية من خلال استقطاب هؤلاء، وذلك بتوفير إمكانيات حقيقية للعمل والاعتراف بكفاءاتهم وتمكينهم من أجور جيدة تتيح لهم بناء حياة أفضل وتنتشلهم من بؤس التخلف.
أخيرا، بقيت الإشارة إلى أن هذا الاستقطاب وتوفير المناخ القانوني له لايخلو من براغماتية، كما سبق الذكر، فمن بين المفاهيم التي أصبحت رائجة، في فرنسا مثلا بالموازاة مع قانون ساركوزي للهجرة الانتقائية نجد مفهوم l’immigration jetable هجرة يمكن التخلص منها ترمي الى الحصول على كفاءات الدول المصدرة للهجرة واستغلالها والتخلص منها عندما تصبح غير صالحة، ولكن هل تمنع سياسة من هذا النوع ذلك الاستسلام لكل الإغراءات المادية والمهنية...والمعنوية أيضا